لبنان يبحث نقل السجناء السوريين إلى دمشق وفق آلية قانونية
تتحرك بيروت ودمشق بخطوات حذرة لكنها متقدمة باتجاه معالجة أحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا في علاقتهما الثنائية، في مسعى واضح لتخفيف التوترات المتراكمة وطيّ صفحات شائكة من الماضي. ويبرز ملف السجناء السوريين في السجون اللبنانية كعنوان أساسي لهذا المسار، في ظل مؤشرات سياسية وقانونية تعكس رغبة مشتركة في إعادة تنظيم العلاقات على أسس مختلفة عما كان سائدًا لعقود.
في هذا السياق، أكد نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري أن بلاده تعمل على نقل أكبر عدد ممكن من السجناء السوريين إلى سوريا، بالتوازي مع إعداد إطار قانوني ينظم هذه العملية ويمنحها غطاءً تشريعيًا واضحًا. وأوضح أن هذا التوجه خضع لنقاشات مطولة داخل مجلس الوزراء، كما عُرض على خبراء قانونيين لفترة طويلة، رغم تسجيل اعتراضات من بعض الوزراء، ما يعكس حساسية الملف داخليًا.
وبحسب متري، فإن القيادة السورية الجديدة تبدي انفتاحًا واضحًا على التعاون مع لبنان، معتبرًا أن المرحلة الحالية تتيح بناء علاقة متوازنة بين البلدين، تختلف عن أنماط سابقة طغى عليها عدم التكافؤ. ويأتي ذلك في وقت يشهد فيه البلدان محاولات متبادلة لإعادة تعريف طبيعة التواصل السياسي والأمني، بعيدًا عن إرث الوصاية والصراعات.
وتندرج هذه التصريحات ضمن جهود لبنانية–سورية متواصلة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، حيث يُقدّر عدد السجناء السوريين في لبنان بنحو 2300 شخص. وقد جرى تشكيل لجان مشتركة لتدقيق أوضاعهم، بالتوازي مع البحث في ملفات أخرى، من بينها مصير لبنانيين مفقودين في سوريا، مع استثناء من يشتبه بتورطهم في قضايا تتعلق بعمليات تفجير أو اعتداءات على الجيش اللبناني.
وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد أشار، خلال زيارته الأولى إلى بيروت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى ما وصفه بـ»الفرصة التاريخية» لتحويل العلاقة بين البلدين من حالة أمنية مشوبة بالتوتر إلى شراكة سياسية واقتصادية تعود بالنفع على الشعبين، وهو طرح لاقى ترحيبًا في أوساط رسمية لبنانية.
وتعكس مواقف المسؤولين في العاصمتين توجهاً مشتركاً نحو فتح صفحة جديدة بعد عقود من النفوذ السوري في لبنان، وهو ما تُرجم عمليًا بإعلان دمشق قبل ثلاثة أشهر عن اتفاق مبدئي يقضي بتسليم السجناء السوريين غير المدانين بجرائم قتل. وأكد مسؤولون سوريون حينها أن هذا الملف يحظى باهتمام مباشر من الرئيس أحمد الشرع، مشيدين بتعاون الجانب اللبناني.
وأشار مسؤولون في وزارة الخارجية السورية إلى أن قضية المعتقلين أُثيرت في عدة اجتماعات رسمية، مع التشديد على أن عددًا كبيرًا من المحتجزين يواجهون، بحسب وصفهم، اتهامات «غير دقيقة أو مبالغ فيها». ويقدّر عدد السجناء السوريين في لبنان بنحو ألفي شخص، كثير منهم موقوفون على خلفيات مرتبطة بأحداث الثورة السورية، أو بأنشطة إغاثية ودعم لوجستي لفصائل معارضة للنظام السابق. وفي أبريل/نيسان الماضي، شكّلت زيارة رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام إلى دمشق ولقاؤه الرئيس الشرع محطة مفصلية، إذ كانت الأولى لمسؤول لبناني رفيع منذ تولي الأخير منصبه. وجرى خلالها بحث مجموعة من القضايا العالقة، وفي مقدمتها ملف السجناء، في مؤشر على جدية الطرفين في دفع مسار التسوية. ومنذ الإطاحة بنظام الأسد، تكثف الإدارة السورية الجديدة جهودها لمعالجة الملفات العالقة مع دول الجوار، في إطار مساعٍ أوسع لإرساء الاستقرار الإقليمي. وبينما لا تزال التحديات قائمة، يبدو أن ملف السجناء يشكل مدخلاً عمليًا لتخفيف الاحتقان وبناء الثقة، تمهيدًا لعلاقات أكثر استقرارًا بين بيروت ودمشق.
