إقليم البصرة
عبد الأمير المجر
من الاعمال الفنية العربية التي انطوت على سخرية هادفة، عمل درامي سوري، قدم من خلال التلفاز في سبعينات أو ثمانينات القرن الماضي على ما اعتقد، ويتحدث عن الالتفاف على رغبة الناس بالتغيير بطريقة كوميدية، تعكس محاولة الساسة في التضليل والإيهام.
الثيمة المقترحة لإيصال فكرة العمل تتمثل باحتجاج الناس على المختار أو مسؤول المنطقة، وطلبهم تغييره ومعاونيه، فيتم الالتفاف على مطالبهم بان يضعوا له شوارب بعد ان كان حليقا أو عكس ذلك، وايضا تغيير في طبيعة لباسه، وبعدها يقول المسؤول الاعلى مخاطبا الناس، بان الدولة غيرت المختار أو المسؤول تلبية لرغبات الشعب!.
حضرني هذا العمل الفني الذي لم اتذكر تفاصيله بشكل دقيق، لكن المؤكد أن رسالته كانت واضحة، أقول حضرني وأنا أسمع وأرى من خلال وسائل الإعلام، أن هناك في البصرة من يسعى اليوم إلى تحويلها إلى اقليم (فيدرالي) استنادا إلى ما جاء في الدستور العراقي لسنة 2005 والمتضمن حق تشكيل الاقاليم.
اللافت في طروحات اصحاب هذا المشروع هو تأكيدهم على أن البصرة التي تعد شريان الحياة الاقتصادي للعراق تعاني من سوء الخدمات ووضع ابنائها المعيشي الذي لا يليق بمحافظة تنتج اكثر من اربعة ملايين برميل نفط يوميا، وإن جعلها إقليما فيدراليا، أي تصبح البصرة اشبه بدولة مستقلة متحدة بارادتها مع العراق هو الحل.
هذا الطرح يحتاج إلى وقفة وحوار، ليس مع اصحاب مشروع الاقليم وحدهم بل مع اصحاب القرار في محافظة البصرة وجميع المحافظات الاخرى، والوقفة هذه تتضمن كشف حساب شامل بجميع مدخولات المحافظات وحصة كل واحدة منها من الموازنة السنوية طيلة العشرين سنة الماضية، وما مقدار ما تحقق من هذه الأموال لابناء تلك المحافظات على مستوى الخدمات أو كيفية تحويلها إلى وسيلة رفاهية من خلال بناء المشاريع التي تتفاعل اقتصاديا وتحرك اقتصاد المحافظة وتجعله اكثر حيوية، لا سيما أن جميع المحافظات لديها من الموارد غير المفعّلة الكثير وبإمكانها ان تقيم المصانع المتوسطة والصغيرة المختلفة لتنهض بواقعها مستفيدة من اللامركزية.
ومن بين تلك المحافظات وابرزها ايضا البصرة التي لو اجرينا جردة حساب لمدخولاتها طيلة السنين، التي مضت، لوجدنا انها كافية لتجعل منها واحدة من اجمل مدن الخليج واغناها، لكن المؤكد أن تلك الأموال وغيرها التي خصصت للمحافظات الاخرى، أما سرقت بطرق مختلفة وأما فشلت الادارات المحلية في كيفية جعلها في خدمة التنمية في المحافظة، وأن فضائح الفساد التي صارت عنوانا لهذه المرحلة، للاسف، هي من يحول دون نهوض البصرة وغيرها بالشكل الذي يتناسب مع مدخولاتها السنوية.
إذن، هل المشكلة في حجم التخصيصات أم في الادارة؟ نحن نعتقد أن هذه الاثارات تقف وراءها جهات في الخفاء، تهدف إلى تمزيق العراق وان محاولاتها في تحقيق ذلك اتخذت وسائل مختلفة، لكنها فشلت، مثلما ستفشل هذه المحاولة التي يراد منها تقويض العراق، من خلال السيطرة على المورد الرئيس لاقتصاده وهو النفط، والذي يجيز الدستور العراقي للإقليم السيطرة على المستخرج منه بعد العام 2003 والتصرف به خارج ارادة الدولة ووزارة النفط المركزية، ما يعني أننا سندخل في فوضى اقتصادية، بالاضافة إلى ما سيكون عليه شكل البصرة بعد أن تصبح إقليما، حيث سيكون لها رئيس إقليم ورئيس وزراء وبرلمان ودستور وعلم وجيش تحت مسمى حرس الإقليم! أي إنه تقسيم ناعم للعراق باسم الفيدرالية، ونعتقد أن إقليم البصرة سيكون مدخلا لإقليم أوسع واكبر ينتهي بالعراق إلى ثلاث أو أربع دويلات بعناوين طائفية أو عرقية، وهو الهدف الحقيقي الذي لم يتحقق من قبل، لأن العراقيين لم يتفاعلوا مع مروجيه وسيفشل في المستقبل، لأن البلاد التي ذاقت طعم الاستقرار بعد سنين مريرة من الفوضى والاضطراب لن تسمح بمرور مثل هذه المشاريع العابثة! .
